الرد على استدلال المرجئة بالآيات في معنى الإيمان
قول الله تعالى: في قصة أخوة يوسف لأبيهم: (( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ))[يوسف:17] فقالوا: (بِمُؤْمِنٍ لَنَا) أي: بمصدق لنا، وهذا تفسيرها في كلام العرب، في كلام المفسرين، وعلى هذا فالإيمان في اللغة هو التصديق، وفي كل موضع نجد كلمة الإيمان فمعناها: التصديق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير من المعنى العربي شيئاً، ولم يخصصه أو يقيده.. إلخ.وقد رد عليهم الشيخ رحمه الله بقوله: (أن اسم الإيمان قد تكرر ذكره في القرآن والحديث أكثر من ذكر سائر الألفاظ) أي: أعظم وأشهر الألفاظ الدينية (وهو أصل الدين، وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويفرق بين السعداء وبين الأشقياء ومن يوالي) أي المؤمن (ومن يعادي، والدين كله تابع لهذا) أي: تابع لمفهوم الإيمان (وكل مسلم محتاج إلى معرفة ذلك) أي: محتاج إلى أن يعرف الإيمان (أفيجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أهمل بيان هذا كله، ووكله إلى هاتين المقدمتين) فهل يعقل أنه صلى الله عليه وسلم لا يبين هذا المصطلح الذي هو مهم جداً، ويكله إلى مقدمتين تخفى على كثير من الناس؟ لا يمكن ذلك أبداً.يقول رحمه الله: (ومعلوم أن الشاهد الذي استشهدوا به على أن الإيمان هو التصديق أنه من القرآن) وهو أقوى ما عندهم، ولكن يقول الشيخ رحمه الله: (نقل معنى الإيمان متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من تواتر لفظ الكلمة) أي: معنى الإيمان وما هو، ويعرفه كل مسلم بلغه ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع عن دعوته، وعلم أنه دعى إلى الإيمان بالله وملائكته و كتبه ورسله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وهو أمر معروف بداهة، ثم يقول: (فإن الإيمان يحتاج إلى معرفته جميع الأمة فينقلونه) يعني: كل فرد في الأمة يحتاج إلى معرفة الإيمان، بخلاف كلمة واحدة من سورة، فأكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظون هذه السورة، وإلى الآن أكثر المسلمين لا يحفظون هذه السورة، ومن يعلم هذه الآية بالنسبة إلى مجموع المؤمنين لا شك أنهم قلة، ولكن كل مؤمن يعرف ولا بد ما هو الإيمان. يقول المؤلف رحمه الله: (فلا يجوز أن يجعل بيان أصل الدين مبنياً على مثل هذه المقدمات؛ ولهذا كثر النزاع والاضطراب بين الذين عدلوا عن صراط الله المستقيم وسلكوا السبل، وصاروا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، ومن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، فهذا كلام عام مطلق، ثم يقال: هاتان المقدمتان كلاهما ممنوعة) والآن نريد أن نبطل كلاً من هاتين المقدمتين، ونبين أنهما باطلتان.قال رحمه الله: (فمن الذي قال: إن لفظ الإيمان مرادف للفظ التصديق) فـالمرجئة يستدلون بأنه يستوي قول: ما أنت بمؤمن لنا وما أنت بمصدق لنا، ويستوي كما قال أبو بكر بن الباقلاني قول: فلان يؤمن بالبعث بعد الموت وفلان يصدق بالبعث بعد الموت، فما دام المعنى يصح فالكلمتان مترادفتان. فرد رحمه الله بقوله: (وهب أن المعنى يصح إذا استعمل في هذا الموضع، فلم قلت إنه يوجب الترادف؟) وهل صحة المعنى تستلزم أو توجب الترادف؟ الجواب: لا، بل بعض اللغويين ينكرون أن يكون في لغة العرب ترادف أصلاً، قال: وكل كلمة قالتها العرب فلها معنى خاص لا يشترك فيه غيرها كقعد وجلس، فليس المعنى واحد، بل هنالك فرق، إذ القعود لا يكون إلا عن قيام. ويقال أيضاً: العرب تجعل للسيف ثلاثمائة اسم كما يقال، وللشمس ثلاثمائة أو أربعمائة اسم، مع أن كل اسم منها له دلالة معينة، فإن كنت لا تعرفها أنت فهذا شأنك، لكن العرب تعرف ذلك، وكذلك الجمل والبعير لكل اسم منهما معنى بحسب الحالة المعينة وبحسب النوع، وعليه فهذا رد كلي، بأننا لا نسلم أن في كلام العرب ترادفاً، فكل معنى يختلف عن الآخر ومجرد أن المعنى يصح لو وضعت كلمة مكان كلمة لا يوجب الترادف، فلو قلت: ما أنت بمسلم لنا، أو ما أنت بمؤمن، أو ما أنت بمصدق فيمكن أن يصح المعنى لكن لم قلت: إن هذا هو المراد بلفظ المؤمن؟ قال المؤلف رحمه الله: (وإذا قال الله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ))[البقرة:43] وقال القائل -يغلط الناس- أتموا الصلاة، ولازموا الصلاة، والتزموا الصلاة، افعلوا الصلاة كان المعنى صحيحاً، أي: لكن هل معنى أقيموا هو معنى افعلوا كما ذكر هو؟ الجواب: لا).